أتذكر الإعلان التليفزيوني القديم الذي كان يبث على القناة المصرية الأولى
باستخدام الصور المتحركة، والذي يظهر فيه لفظ (معلهش) كبيرا كأنه مصنوع من الحجر،
ثم يأتي رجل – كارتوني أيضا – يمثل المواطن المصري ليقوم بتحطيم هذه (المعلهش)
الكبيرة، على خلفية جملة واحدة مغناة بصوت مصر الرائع (لو شعب عايز يتقدم ... لازم
يكسر (معلش) )
وكان هذا الإعلان ضمن مجموعة كبيرة من الإعلانات التوعوية التي كان
التليفزيون المصري وقتها يبثها للناس في محاولة لتغيير سلوكهم، ومنها الإعلانات
الخاصة بنظافة الشوارع، وأشهرها إعلان الراحل (يونس شلبي) المعروف بجملة (دي زبالة
يا جاهل) والتي يرد فيها النجم قائلا (أني برضه اللي جاهل!!؟؟)
وبالعودة إلى (معلش) نجد أن المعروف عنها، وما كان سببا مباشرا في الإعلان
المذكور هو دلالتها على التكاسل والتغاضي عن الخطأ والاستسهال وغيرها، وهو أمر
حقيقي وصائب، فالكل يعرف هذه المعاني السلبية لهذه المفردة المصرية الصميمة التي
حاول البعض تفسيرها بالقول إنها تعني (ما عليه شيء)، وبغض النظر عن مدى صواب أو
خطأ التفسير فإن المفردة كانت وما تزال تحتفظ بدلالة سلبية في الواقع.
ومؤخرا برزت سلبية هذه الكلمة أكثر عندما احتككنا بشعوب أخرى مثل الشعب
العراقي الذي يعيش بين ظهرانينا منه مئات الآلاف، حيث أكد هذا الأمر لي بعض
الأصدقاء العراقيين الذين رأوا أن أسوأ مفردة في اللهجة المصرية – حسب رأيهم – هي
(معلش)، بما تدل عليه من تواكل وإهمال ولا مبالاة.
إلا أنني تأملت في المفردة مؤخرا، وقد وجدت – مع كل هذه المعاني السلبية –
معاني أخرى إيجابية، فالأساس في الكلمة – كما أرى – هو الاعتذار، فإذا صدمك أحدهم
في الشارع خطأ، سواء بدراجة أو بكتفه وهو مسرع أو أو، يقول :(معلش).
أما إذا لم يلتفت إليك ليعتذر – كما يحدث الآن غالبا – تجد أحد المارة
الذين لا علاقة لهم بالموضوع يقول لك : (معلش معلش، ماكانش قصده)، أو آخر يحاول فض
(خناقة) كنت طرفا فيها يقول لك : (معلش حقك عليا انا).
كما أنها تدل على التعزية والمواساة، فإذا وجدك أحدهم حزينا أو متألما قال
لك : (معلش معلش) ليخفف عنك حزنك، وإذا فقدت عزيزا قال لك البعض : (معلش يا فلان
هي الدنيا كدة).
بل إننا نستخدم (معلش) كمفردة افتتاحية عند الحديث إلى شخص لا نريد أن
نصدمه برفضنا المباشر لرأيه، إما محبة أو مهابة أو احتراما، فنقول :(معلش بقى أنا
عايز أقول حاجة).
ويبدو أننا قد درجنا على جلد ذاتنا، كما سمحنا للآخرين بجلدنا، دون أن ندقق
فيما نقول أو نتوارث من مفردات، فلا تسمحوا لأحد أن يهاجمكم، ولا تهاجموا أنفسكم
دون أن تدققوا فيما تعنيه مفرداتكم، ولا يجب علينا – نحن المصريين- أن ننتظر
الآخرين مهما كانوا، حتى ينتقدونا ويهاجمونا، لنصدقهم ونجلد ذاتنا ونقول : عندهم
حق، فكل مفردة ومعنى بشري يحمل سلبياته وإيجابياته، فلتفتشوا عن الإيجابيات والأمل
يرحمكم الله
تعليقات بلوجر
تعليقات فيس بوك